كأس العرب من حلم لبناني إلى حدث كروي تحت مظلة الفيفا
في الأول من ديسمبر 2025، تستعد قطر لاستضافة النسخة الحادية عشرة من **كأس العرب**، البطولة التي بدأت كفكرة بسيطة في بيروت عام 1963، لتصبح اليوم واحدة من أبرز البطولات الكروية الإقليمية، بل وأكثرها تنظيمًا واحترافية بعد اعتمادها رسميًا من **الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا)**. ومنذ انطلاقتها الأولى، مرّت كأس العرب بمراحل مضطربة تخللتها حروب وأزمات سياسية، لكنها استعادت بريقها في العقد الأخير لتتحول إلى حدث رياضي عالمي بامتياز.
---
البداية من بيروت: فكرة لتوحيد العرب عبر الكرة
انبثقت فكرة **كأس العرب** من رحم الاتحاد اللبناني لكرة القدم في عام 1963، بهدف تعزيز الروابط بين الشعوب العربية من خلال لغة مشتركة: كرة القدم. ورُحّبت الفكرة بترحيب واسع من دول مثل تونس وسوريا والأردن والكويت، مما مهّد لإقامة النسخة الأولى في العاصمة اللبنانية بمشاركة **5 منتخبات فقط**.
توج **المنتخب التونسي** بلقبه الأول في تاريخه، بعد تصدره الترتيب برصيد 7 نقاط، في حين حلّت سوريا وصيفة، واحتل لبنان المركز الثالث. وكان الهداف الأول للبطولة **منجي حداد** (تونس) برصيد 4 أهداف، ليُدشّن بذلك مسيرة البطولة بكل تواضع وطموح.
---
سنوات التوقف: الحروب تُربك المسيرة
لم يكتب للاستمرارية أن تصاحب البطولة في بداياتها. فبعد النسخة الثالثة عام 1966، دخلت كأس العرب في **نوم عميق امتد 19 عامًا**، بسبب تداعيات **حرب 1967** والصراعات السياسية التي هزّت المنطقة، خصوصًا الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982، الذي أدى إلى إلغاء محاولة استئناف البطولة حينها.
لكن الكرة العربية لم تستسلم. وفي عام **1985**، عادت كأس العرب من جديد تحت رعاية **الاتحاد العربي لكرة القدم**، واحتضنت **السعودية** النسخة الرابعة بمشاركة 6 منتخبات، لتبدأ مرحلة من الاستقرار النسبي.
---
الهيمنة العراقية وصعود مصر والسعودية
خلال أعوام الثمانينات والتسعينات، برز **العراق** كقوة مهيمنة، حيث فاز باللقب **4 مرات متتالية** (1964، 1966، 1985، 1988)، قبل أن تُكسر هيمنته في نسخة 1992 في سوريا، حين تُوّج **منتخب مصر** بلقبه الأول بعد فوز دراماتيكي على السعودية (3–2).
ثم جاءت نسخة **1998 في الدوحة** بمشاركة قياسية (12 منتخبًا)، لتتوج **السعودية** بلقبها الثاني بعد فوزها على قطر (3–1). وفي نسخة **2002** بالكويت، نجح المنتخب السعودي مجددًا في الظفر بالكأس، ليكرّس نفسه كقوة عربية منافسة.
---
التحوّل الجذري: كأس العرب تحت مظلة الفيفا
اللحظة الفارقة جاءت عام **2021**، عندما تبنّى **الفيفا** كأس العرب رسميًا، وأُقيمت النسخة العاشرة في **قطر**، كجزء من استعداداتها لاستضافة كأس العالم 2022. ومنذ تلك اللحظة، تحولت البطولة من حدث إقليمي إلى **منافسة عالمية** تُطبّق فيها أعلى المعايير الفنية والتنظيمية.
تميزت نسخة 2021 باستخدام **تقنية الفار** لأول مرة في تاريخ البطولة، وحقّقت **أعلى نسب حضور جماهيري**، بلغ متوسطها 80% في ملاعب لا تقل سعتها عن 40 ألف مشجع. وقد تُوّج **المنتخب الجزائري** بلقبه الأول بعد فوزه على تونس (2–0) في النهائي، بينما نال التونسي **سيف الدين الجزيري** لقب الهداف، والجزائري **ياسين إبراهيمي** جائزة أفضل لاعب.
---
كأس العرب 2025: الأغلى في التاريخ
في ديسمبر 2025، تستضيف قطر **النسخة الحادية عشرة** من كأس العرب، والتي تُعد الأغلى في تاريخ البطولة، إذ بلغ **إجمالي الجوائز المالية 36.5 مليون دولار**، بزيادة قدرها 11 مليون دولار عن النسخة السابقة.
وقد تم اختيار **16 منتخبًا** بعد تصفيات موسعة، وتقسيمهم إلى أربع مجموعات على النحو التالي:
- **المجموعة الأولى**: قطر، تونس، سوريا، فلسطين
- **المجموعة الثانية**: السعودية، المغرب، جزر القمر، عُمان
- **المجموعة الثالثة**: مصر، الأردن، الإمارات، الكويت
- **المجموعة الرابعة**: الجزائر، العراق، البحرين، السودان
وبموجب اتفاق مع الفيفا، ستستضيف قطر **النسخ الثلاث المقبلة** (2025، 2029، 2033)، بنظام الدعوة، لتُرسّخ مكانتها كعاصمة رياضية عربية.
---
خاتمة: من بيروت إلى الدوحة... رحلة كرة توحد الأمة
ما بدأ كفكرة متواضعة في لبنان لتعزيز التعاون العربي، أصبح اليوم حدثًا كرويًا تُراهن عليه الفيفا، وتجذب إليه أنظار العالم. كأس العرب لم تعد مجرد بطولة، بل **رمزًا للوحدة الرياضية**، وفرصة لصعود نجوم المستقبل، ومحطة اختبار حقيقية للمنتخبات قبيل بطولات عالمية.
ومع كل نسخة جديدة، تثبت البطولة أن **الرياضة تظل جسراً يعبر فوق الخلافات**، مُضيئةً طريق العرب إلى التنافس الشريف والنجاح المشترك.
---
**المصادر**:
- موقع الاتحاد الدولي لكرة القدم (FIFA.com)
- قناة الجزيرة الإخبارية
- أرشيف الاتحاد العربي لكرة القدم
- تقارير إعلامية محلية ودولية حول كأس العرب 2021 و2025